أسباب النصر على الأعداء

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،
وبعد:

لا شك أن للنصر على الأعداء عوامل وأسبابًا تعين عليه كما أن للهزيمة
أسبابا تعين عليها فمن أهم أسباب النصر ما يلي:

1- الإيمان بالله الواحد القهار والاعتماد عليه في حصول النصر وفي كل شيء وتفويض
الأمور إليه والثقة بوعده بنصر المؤمنين
قال تعالى: }وَكَانَ
حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ{ سورة الروم
آية (47).

والمؤمنون الموعودون بالنصر هم الموصوفون بقوله تعالى: }إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا
تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ
يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ
رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ{ سورة الأنفال آية (2-4)

2- ومن أهم أسباب النصر نصرة دين الله والقيام به قولاً واعتقادًا وعملاً
ودعوة مع إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف- الذي أمر الله به ورسوله-
والنهي عن المنكر- الذي نهى الله عنه ورسوله- قال الله تعالى }وَلَيَنْصُرَنَّ
اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ
مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ
وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ
# عَاقِبَةُ الْأُمُورِ{ سورة الحج آية (40-41) وقال تعالى: }إِنْ
تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ{ سورة محمد آية (7).

3- ومن أعظم أسباب النصر الإتحاد والاجتماع والتضامن بين الشعوب المسلمة
قال تعالى: }وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا{ سورة آل عمران آية (103) وقد شبه الرسول صلى الله عليه
وسلم المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم بالجسد الواحد، وبالبنيان المرصوص يشد
بعضه بعضًا وشبك بين أصابعه. متفق عليه، وقال تعالى: }إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ
بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ{ سورة الصف آية (4).

4- ومن أهم أسباب النصر بعد الإيمان بالله والتوكل والاعتماد عليه إعداد ما
يمكن من القوة المادية والمعنوية. قال تعالى: }وَأَعِدُّوا
لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ{ سورة الأنفال آية (60)

5- ومن ذلك إخلاص النية لله وأن يكون الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله
هي العليا ويكون الدين كله لله قال تعالى: }وَالَّذِينَ
جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ
الْمُحْسِنِينَ{ سورة العنكبوت آية (69).

6-9- ومن أسباب النصر: الثبات عند لقاء العدو وعدم الفرار والانهزام، وكثرة
ذكر الله تعالى، وطاعة الله ورسوله بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، وعدم التنازع
والاختلاف المؤدي إلى الفشل قال تعالى: }يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا
اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَلَا
# تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ{ سورة الأنفال آية
(45-46)

10- ومن أهم أسباب النصر الصبر عند لقاء العدو قال الله تعالى: }وَاصْبِرُوا
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ{، وقال صلى الله عليه وسلم: «وأعلم
أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرًا» رواه الإمام
أحمد.

11- ومن ذلك إظهار الشجاعة والإقدام والقوة والتضحية بالنفس والنفيس والعلم
بأن الموت واحد لا بد منه وإن تعددت أسبابه قال الشاعر:

من لم يمت
بالسيف مات بغيره

تعددت
الأسباب والموت واحد

12- ومن أسباب النصر تعلم العلوم الحربية والتفنن بالفنون العسكرية
والتدريب على القوة والشجاعة كما قال تعالى: }وَأَعِدُّوا
لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ
عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ{ فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أنواع
الأسلحة من المدافع والرشاشات والدبابات والطائرات الجوية والمراكب البرية
والبحرية وجميع آلات الدفاع ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا إن القوة الرمي. ألا إن القوة الرمي» رواه
مسلم وأحمد وأبو داود وابن ماجة.

13- ومن ذلك الاستعداد بالمراكب المحتاج إليها عند القتال كالسيارات
والدبابات والمدرعات وكل وسيلة يحصل بها إرهاب الأعداء.

14- ومن أعظم أسباب النصر ووسائله: بذل النفقات المالية وفي ذلك ما لا يحصى
من الأجر العظيم والثواب الجسيم ولهذا جاء في الحديث أن الدرهم الذي ينفق في سبيل
الله بسبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة رواه أبو داود كما قال تعالى: }مَثَلُ
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ
أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ
يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{ سورة البقرة آية (161) وقال صلى الله عليه وسلم: «من أنفق نفقة في سبيل الله كتب له سبعمائة ضعف»
رواه الترمذي وقال حديث حسن. والجهاد كما يكون بالنفس يكون بالمال قال تعالى: }يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ
عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ{ سورة الصف آية (10-11) وقال صلى الله عليه وسلم: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم» رواه
أبو داود بسند صحيح.

15- ومن أسباب النصر المشاورة بين المسئولين لتعبئة الجيوش وإعدادها وطريقة
الدفاع والهجوم ونحو ذلك قال تعالى: في وصف عباده المؤمنين }وَأَمْرُهُمْ
شُورَى بَيْنَهُمْ{ سورة الشورى آية (38) وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: }وَشَاوِرْهُمْ
فِي الْأَمْرِ{ سورة آل عمران آية (159) وكان صلى الله عليه وسلم يشاور
أصحابه في الحروب وغيرها مع كمال عقله وسداد رأيه امتثالاً لأمر الله وتطييبًا
لنفوس أصحابه.

16- ومن أسباب النصر: تولية قيادة الجيوش لمن عرفوا بالإخلاص لله ولدينه ثم
لحكوماتهم وشعوبهم وأوطانهم وإرشادهم وتوجيههم بما يجب أن يعملوه، وكان النبي صلى
الله عليه وسلم إذا أمر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه بتقوى الله وبمن معه من
المسلمين خيرًا فقال: «اغزوا بسم الله في سبيل الله
قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا»
رواه مسلم. والغلول: الأخذ من الغنيمة قبل قسمتها، وغدر: نقض العهد، والتمثيل:
تشويه القتيل بقطع أطرافه.

17- ومن أعظم أسباب النصر: التوجه إلى الله تعالى بالدعاء بحصول النصر حيث
أمر بالدعاء وتكفل بالإجابة في قوله تعالى: }وَإِذَا
سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا
دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ{ شورة البقرة آية (186) }وَقَالَ
رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ{ سورة غافر آية (60) فإذا آمنا بالله حق الإيمان
واستجبنا له فاطعناه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ثم دعوناه استجاب لنا لأنه
سبحانه لا يخلف الميعاد.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خاف قومًا قال: «اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم»،
رواه أبو داود بإسناد صحيح وكان يقول: «اللهم أنت
عضدي ونصيري، بك أصول وبك أجول وبك أقاتل» رواه أبو داود والترمذي وقال
حديث حسن وكان يقول «اللهم منزل الكتاب ومجري
#
السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم» رواه البخاري ومسلم.

هكذا كان سيد الخلق يقول ويفعل وهكذا ينبغي أن نفعل }لَقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ
وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا{ سورة الأحزاب آية (21) فبسبب الإيمان بالله ورسوله
والجهاد في سبيله والإخلاص له في القول والاعتقاد والعمل نال سلفنا الصالح العز
والنصر على الأعداء والتمكين في الأرض ودانت لهم الدنيا وذلت لهم الأمم وذلك حين
كان الإيمان متمكنًا في قلوبهم ومتوغلاً في نفوسهم وعرفوا أن في الجهاد في سبيل
الله إحدى الحسنيين إما النصر والغنيمة وإما الشهادة في سبيل الله ثم الجنة حتى
قال قائلهم:

فلست
أبالي حين أقتل مسلما

على أي
جنب كان في الله مصرعي

فنصرهم الله لما نصروه وخذل أعداءهم حين أطاعوه }وَمَا
النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ{.

هذا وأسأل الله العلي القدير أن يوفق المسلمين حكامًا ومحكومين إلى العمل
بكتابه وسنة نبيه وأن يؤلف بين قلوبهم وأن يصلح ذات بينهم وأن يجمع كلمتهم على
الحق وأن ينصرهم على عدوهم وأن ينصرهم بالإسلام وينصر الإسلام بهم إنه ولي ذلك
والقادر عليه وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى
الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

بارك الله فيك أخي الكريم على المساهمة الطيبة
جزاك الله عنا كل خير
دمتم في رعاية الله

» تفسير سورة النصر
» أسباب الرزق
» أسباب الصبر
» أسباب شرح الصدر
» أسباب تجعل الطفل عنــــيــــــــدا