تقرأين في الحِكَم والأمثال والأقوال الكثير من التصوّرات الخاطئة عن المرأة ، والتي جاء بعضها كنتيجة طبيعية للتعامل السلبي الطويل مع المرأة .
وقد تركت هذه التصورات آثارها النفسية والاجتماعية السيِّئة على الكثير من الفتيات والنِّساء، وقد جرى التعامل معها ـ من قبلهنّ ـ على أساس أ نّها أقوال مقدّسة لا تقبل النقض أو التأويل .
والغريـب في الأمر ، أنّ المرأة هي حلم الرجل وأنسه ومودّته ورحمته التي رحمه الله بها ، وقد يصل الأمر به إلى أن يقتل نفسه أو يقتل غيره إن لم يفز بالمرأة التي يحبّ . فمن أين جاء هذا التناقض بين (حبّ) الرجل للمرأة وبين (عداوته) لها ؟
إنّ للتربية الأسرية والخلفية الثقافية ، والجوّ الاجتماعي ـ أعرافاً وتقاليد ـ والأفكار التي ينشأ عليها الفتى أو الشاب منذ طفولته هي التي تشترك في تكوين نظرته عن الجنس الآخر .
ومن تلك النظرات ، قولهم «النساء حبائل الشيطان» و «المرأة باب الجحيم» . وهو تبرير ذكوري لحالة الإسترسال مع الشهوات وضعف الإرادة ، وتعليق لكلّ حالة انحراف يقوم بها الشاب أو الرجل على شجاعة النساء .
وإلاّ فالرجال أيضاً حبائل الشيطان بما يفعلون من ألوان الإغواء والإغراء والإستدراج لإيقاع الفتيات والنساء في شباكهم ، ذلك أنّ دور الرجل ليس دور المتلقّي السلبي حتى يلقي تبعة انحرافاته على كاهل المرأة،بل هو مشارك فاعل،بل ودافع لها أحياناً على الانحراف.
إنّ الله زين حبّ الشهوات من النساء ، وقد أحلّ للشبان والرجال اتباع غرائزهم بالحلال عن طريق الزواج . وإذا ما تزوّج المرء فقد أحرز نصف دينه ـ حسب الحديث المروي ـ وهذا يعني أنّ المرأة عاصمة للرجل وواقية له من الانحراف ومن تسويلات الشيطان في الفحشاء والمنكر .
وكما ابتلى الله الرجال والنساء معاً بالامتناع عن الخمر ولحم الخنزير والميتة والقمار ، فمن شرب الخمر وأكل لحم الخنزير فقد وقع في حبائل الشيطان ، لأ نّه عطّل إرادته وتقواه ، فكذلك الزنا .. حتى ليمكن القول إنّ حبائل الشيطان هي من صناعة المرأة والرجل معاً ، فلم تتحمّل المرأة فقط مسؤولية نسج خيوط هذه الشبكة ويعفى منها الرجل ؟!
ومن ذلك قولهم : «مَن كانت له إمرأة كان له عدوّ» كما كانت امرأة نوح عدوّة لزوجها . ولكن في الرجال أيضاً مَن هم أعداء لأزواجهم ، ألم يكن فرعون عدوّاً لزوجته المؤمنة آسية بنت مزاحم ؟
وإذا كانت الأحاديث الشريفة تتحدّث عن أنّ المرأة الصالحة درع حصينة من النار ، فإنّها الصديق الصدوق والمخلص الوفي إن هي حظيت بثقة الرجل وتقديره وإحترامه ، وإذا كان الخالق سبحانه وتعالى قد أودع في المرأة والرجل المودّة والرّحمة (ومِن آياتهِ أن خلقَ لكُم مِن أنفُسكم أزواجاً لِتَسكنوا إليها وجَعلَ بَينكُم مودّة ورَحمة )( ) ، فمن أين جاءت العداوة والله هو الذي جعل العلاقة بين الزوجين تقوم على ركائز الكبيرة (السكن) و(المودّة و(الرّحمة)؟
ما ذاك إلاّ نتاج التربية السيِّئة والمحيط الفاسد ، والأعراف العقيمة ، فإذا كانت بعض النِّساء عدوّات لأزواجهنّ فليس معنى ذلك أنّ كلّ امرأة هي عـدوّ لزوجها وإلاّ لما استقامت الحياة الزوجية ، ولما عمّر بعضها عمراً طويلاً !
ومن ذلك قولهم : «مَن يثق بالنساء يكتب على الثلج» . وهذا دليل آخر على بعض التجارب الفاشلة مع المرأة ، والتي للمرأة تجارب مثلها مع الرجال ، حتى قيل إنّ التي تثق برجل تكون كمن يضع الماء في الغربال .
فالثقة ـ أيّة ثقة ـ لا تبنى إلاّ على طرفين ، فحتى أثق بكِ لا بدّ أن تثقي بي ، وإذا وثق كلٌّ منّا بالآخر توطّدت العلاقة المبنية على الثقة وتعذّر تقوّضها .
ومن هذا القول نشمّ رائحة تخوين المرأة على الدوام ، وأ نّها ليست أهلاً للأمانة والثقة ، والحال أنّ الكثير من النساء العفيفات الشريفات المؤمنات كنّ على مستوى من الثقة ما لا تقاس به ثقة بعض الرجال . فالثقة ، وغيرها من الأخلاق والصفات ، لا جنسيّة لها ، أي أ نّها ليست حكراً على الشاب دون الفتاة أو الرجل دون المرأة .
ومن ذلك قولهم : «ذلّ قوم أسندوا أمرهم إلى إمرأة» وهذا يتناقض تناقضاً صريحاً مع ما جاء في القرآن الكريم من تقييم صورة (بلقيس) ملكة سبأ على أ نّها المرأة القائدة القديرة والواعية البصيرة التي تحكم برجاحة عقل حتى أنّ الرجال الذين استشارتهم أوكلوا الأمر إليها في البت في الموضوع الذي استشارتهم فيه ، وقد عزّوا بموقفها ولم يذلّوا .
وكم نلاحظ اليـوم في مخـتلف مواقع وحقول العمـل من النساء المديرات القديرات والقائدات الزعيمات ذوات الحنكة في تسيير أمور العمل وشؤون السلطة وتولِّي المناصب الحسّاسة ، فـ (بلقيس) ليست مثالاً نادراً أو أوحداً ، لكنّها المثال الذي يدحض ما يذهب إليه بعض الرجال .
ومن ذلك قولهم : «للنساء فساتين طويلة وأفكار قصيرة» ، أو «المرأة شعرها طويل وفكرها قصير» . فهؤلاء يتحدّثون عن نقصان في عقل المرأة ، وذلك في عملية تمييز جنسي مقيتة بين عقل ذكوري راجح وعقل أنثوي قاصر .
وقد أثبت العلم أنّ عقل المرأة لا يختلف عن عقل الرجل في شيء ، كما أثبتت التجارب أنّ عقول بعض النساء أرجح من عقول بعض الرجال ، عندما تمنح للفتيات أو النساء الفرص المتكافئة في التعليم والتربية والعمل .
فالمرأة التي تعيش في أجواء الإهمال والتهميش والانتقاص والكبت والحرمان والشعور بالدونيّة ، كما هو الرجل الذي يعيش في هذه الأجواء المثبطة ، لا يكونان إلاّ عنصرين خاملين سلبيين لا يأتي منهما أيّ خير .. والعكس صحيح .
إنّ هذه الأقوال ، وغيرها في ثقافتنا الشعبية الكثير ، تشكّل ثقافة مريضة ، فهي ضدّ الثقافة وضدّ التربية وضدّ الواقع ، ولا يصحّ إطلاقاً أن نعمِّم التجارب الفاشلة لتصبح هي القاعدة التي نقيس بها وعليها كلّ إمرأة .
إنّ من مسؤولية كلّ فتاة واعية ومثقفة أن تكافح هذه النظرات السلبية على المستويين النظري والعملي ، وأن تربِّي بناتها في المستقبل على الإحساس بكرامتهنّ ورفضهنّ لكلّ ما يسيء إلى هذه الكرامة أو ينتقص منها .
غير أنّ الفتاة لا تعدم في قبال هذه النظرات الجائرة ، نظرات إنسانية منصفة ، لا بدّ لها أن تتربّى عليها ، وأن تربِّي بناتها عليها أيضاً .
فمن ذلك قولهم : «النساء شقائق الرجال» .
ومن ذلك قولهم : «إنّ وراء كلّ عظيم إمرأة» .
ومن ذلك قولهم : «إنّ المرأة الفاضلة التي تهزّ المهد بيد وتهزّ العالم باليد الأخرى» .
ومن ذلك قولهم : «كنوز العالم بأسرها لا توازي المرأة الفاضلة» .
ومن ذلك قولهم : «المهر الحقيقي هو في الفتاة نفسها» .
ومن ذلك قولهم : «المرأة الشريفة والجميلة ، هي شريفة مرّتين» .
ومن ذلك قولهم : «مَن كانت له إمراة صالحة رزق خير الدنيا والآخرة» .
ومنه : «ما أكرم المرأة إلاّ كريم وما أهانها إلاّ لئيم» .
ومنه : «المرأة الصالحة درع حصينة من النار» .
ومنه : «البنات حسنات» .
وغيره كثير .