والجواب: أن هناك ثلاث قواعد لا بد لمن أراد كسب ثقة الناس من الالتزام بها وهي: أن يكون صادقاً, وأن يكون عادلاً, وأن يكون مشفقاً.
يقول ربنا تعالى: "فأوفوا الكيل والميزان, ولا تبخسوا الناس أشياءهم, ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها".
ويقول: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان" و"إن الله يحب المقسطين".
وقد جاء في الحديث الشريف: "كل ذي صناعة الى ثلاث خصال يجتلب بها المكسب وهي: أن يكون حاذقاً بعمله... وأن يكون مؤدياً للأمانة فيه... وأن يكون مستميلاً لمن استعمله".
يقول رسول الله (ص): "ليس منا من غشنا" فإن "من غش أخاه نزع الله بركة رزقه, وأفسد عليه معيشته, ووكله الى نفسه".
ويقول ربنا تعالى: "ويل للمطففين, الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون, وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون".
وهكذا فإن القاعدة الأولى تفرض على الناجح أن يكون شريفاً في المعاملات المالية, وأن يلتزم بها, وأن يكون صادقاً في الترويج لبضاعته, وأن يعطي من الحق للناس, بمقدار ما يجب عليه.
فمن الأفضل أن تخسر تسع مرات بالصدق لتربح في المرة العاشرة, على أن تربح تسع مرات وتخسر في المرة الأخيرة كل ما ربحته في المرات السابقة.
فالكذب يؤدي الى ثلاث نتائج سيئة:
الأولى – أنه يظلم المكذوب عليه.
الثانية – أنه يؤدي الى تخريب ضمير الكاذب...
الثالثة – أنه يؤدي الى فقدان الثقة...
ولهذا فإن الله تعالى لا يحب الكاذبين, وكل نواميس الكون تقف ضده... "قل سيروا في الأرض ثم أنظروا كيف كان عاقبة المكذبين".
وهكذا فإن "الصدق نجاح, والكذب فضاح" فـ "عاقبة الصدق نجاة وسلامة" وفيه "صلاح كل شيء".
فـ "اغتنم الصدق في كل موطن تغنم, واجتنب الشر والكذب تسلم".
أما الشفقة, فمن متطلبات التودد الى الناس, والتحبب إليهم وكسبهم.
ولا شك في أن "أنفع الكنوز محبة القلوب" لأن "التودد الى الناس رأس العقبة".
ويجب اكتساب الشفقة, لأنها من أنفع الوسائل في التعامل.
ولعل شكسبير لم يخطر بباله ذلك عندما كتب يقول "الشفقة تجتذب أفضالاً الى من صدرت عنه, كما تجتذب أفضالاً الى من توجه اليه", ولكنه على أي حال, نطق بالحقيقة. فأولئك المشفقون على الاخرين يختزنون الشفقة لأنفسهم.
ولكن ما هي بالضبط هذه الخاصية المعروفة بالشفقة؟
إنها تتجاوز كثيراً الرغبة في عدم تحسين المرء فائدته الشخصية. إنها شعور بالحنان أو الرقة ينبثق من حالة مريرة كما تنبت الزهرة من الصخر. إنها شعور عميق بالشكر لنظام الأشياء الذي يجد تعبيره الكامل في عمل خارجي ويؤمن للذين يتصرفون هكذا سعادة خالصة لا تشوبها شائبة.
ويقترن بالشفقة كرم النفس ومحبة الغير. وفي الحقيقة فإن هناك سبل كثيرة أمام الرجل الناجح الذي يرغب في أن يبدو شاكراً ومعترفاً بالجميل للفوائد التي أصابته. وفي سعيه وراء السعادة ينبغي له ألا يدع الفرصة التي تتاح له تفوته. فذلك يتيح له مساعدة الاخرين على بلوغ هذه السعادة التي يشتهيها الجميع.
وكما يلزم على من يرغب في النجاح الالتزام بالصدق والشفقة والعدالة, كذلك يلزم عليه الالتزام بالنزاهة. والمطلوب هنا الالتزام بنزاهة القصد والغاية والوسيلة أيضاً.
فإذا أردت النجاح فاجعل الناس يثقون بنزاهتك أكثر من ثقتهم برأسمالك.. ولا تستخدم أبداً وسائل غير شريفة لغايات شريفة, لأن الوسيلة تؤدي الى أن تكون الغاية بلونها..
قد يقول قائل: إن الاخلاق قد تكون ضرورية للنجاح في المجالات الاجتماعية أما في المجال التجاري, وعالم المال والأعمال, فلا مجال للالتزام بها, ليس لأنها ليست ضرورية من الناحية الوجدانية, بل لأن ذلك قد يسبب لك خسارة كبيرة, أو يمنعك من تحقيق ربح محقق...
غير أن تاريخ الناجحين الكبار والشركات الكبرى يكشف أن لا تجارة بلا أخلاق, وأن الاخلاق العالية لها أهمية كبرى في النجاح التجاري...
إن السعي الى الميزة الاخلاقية يدعو أحياناً الى تفويت فرصة سانحة أو تكبد خسارة مالية مؤقتة. ولكن المقاييس الأخلاقية العالية تترجم في كثير من الأوقات أرباحاً طائلة. إن الالتزام الأخلاق يمكن صاحبها من اجتذاب أصحاب المواهب وربح الزبائن ومحبة الناس واحترامهم